الأربعاء، 25 ديسمبر 2013

جريمة اصدار شيكات بدون رصيد .. ورقة بحثية



جريمة اصدار شيكات بدون رصيد  

تتناول هذه الورقة جريمة اصدار الشيك بدون مقابل وفاء وفقاً للنصوص المجرمة لإصدار شيك بدون رصيد الواردة بنظام الأوراق التجارية السعودية نذكر فيه تعليق على النظام والقرارات الوزارية واقتراح تعديلات .
بداية فإنه مع تطور الحياة الاقتصادية والتجارية وزيادة عدد المصارف وبالتالي اتساع حجم المعاملات المالية والتجارية برزت بعض الظواهر السلبية نتيجة هذا التطور والاتساع فأصبحت الشيكات بدون رصيد أو الشيكات المرتجعة احدى المعوقات لتطور الحياة الاقتصادية في المملكة يعود ذلك التأثير على الحياة الاقتصادية إلى أهميتها كونها تعد أداة وفاء تقوم مقام النقود والذي يؤدي تزعزع الثقة في اتخاذه كإجراء لإتمام التعاملات التجارية سلبا على سمعته التجارية كأحد أهم الأوراق التجارية ، وأحد أهم العلاقات الوسيطة لاستكمال اجرائات الأنشطة التجارية والاقتصادية .
دفع ذلك بالمنظم السعودي الى اتخاذ كافة الاجراءات الممكنة لمعالجة هذه الظاهرة للحد من انتشارها والحد من التهاون فيها فضلا عن رغبته في تعزيز ثقة المتعاملين بالشيك كون هذا الشيك يعتبر من الناحية القانونية أداة وفاء فورية لسحب النقود المودعة في البنوك لتسوية المدفوعات وتسديد الديون ..الخ .
وكما هو معلوم فإن نظام الأوراق التجارية مستمدٌ من النظام الموحّد الذي أقرّ دولياً في مؤتمري جنيف عامي 1930 و1931م. وقد ورد في المادة 118 وما بعدها من نظام الأوراق التجارية المعدلة بمرسوم ملكي رقم م/45 وتاريخه 12/9/ 1409هـ ما ينصّ تفصيلاً على صور هذه الجريمة وعقوباتها وتجريم إصدار شيكات بدون رصيد وفرضِ عقوبات بدنية ومالية على مرتكب هذا الفعل.
وبالرغم من تجريم النظام لمرتكبين اصدار الشيك بدون رصيد إلا أن هناك عدد كبير من الأشخاص الذين تورطوا في الشيكات والمتهاونين والمتلاعبين بها ففي احصاء صادر من وزارة التجارة والصناعة تبين أن عدد القضايا المدفوعة للشيكات بدون رصيد بلغت 1133 قضية في العام 1432 بقيمة تتجاوز 806 مليون ريال ، والتي كانت قد بلغت قيمتها في العام 1431هـ 1.146 مليار ريال بعدد 2603 قضية شيك بدون رصيد .
تظهر البيانات السابقة ارتفاع عدد قضايا الشيكات بدون رصيد في السابق وانخفاضها المستمر عن الأعوام الماضية ونعزو هذا الانخفاض إلى الدور الذي قامت به التعديلات الواردة للنظام في القرارات الوزارية والى الدور الذي قامت به الجهات الحكومية المعنية بالشيكات المخالفة والتشديد في مسألة تطبيق النظام والذي تسعى من خلاله إلى اعادة الحماية القانونية للشيك حفاظاً على وظيفته الأساسية حيث قامت هذه القرارات بالحد بشكل كبير من حجم القضايا المرفوعة وفقا للمؤشرات الصادرة في ذلك ، وفيما يلي سنستعرض بعض القرارات الوزارية الصادرة والتي كان لها الأثر والدور الكبير في تقليص عدد القضايا والذي جاء فيه :
1)    أصدرت وزارة الداخلية تعميماً برقم 16/98628 وتاريخ 17/12/1415هـ، يفيد أن قضايا الشيكات دون رصيد تعدّ من القضايا التي يُعمّم عنها جنائياً .
2)    قرار مجلس الوزراء رقم (75) وتاريخ 15/3/1431هـ بشأن معالجة ظاهرة الشيكات المرتجعة لعدم وجود رصيد كاف لها الذي سيحفظ للشيك وظيفته، ومن شأنه أن يؤدي إلى سرعة الفصل في الدعاوى الصرفية، كما نوهت بقرار صاحب السمو الملكي النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية رقم (1900) وتاريخ 24/5/1431هـ باعتبار الأفعال المنصوص عليها أعلاه في المادة (118) من الجرائم الموجبة للتوقيف.
وبين مصدر مسؤول في وزارة التجارة والصناعة أن القرارين تضمنا ما يلي:
أولا: اعتبار الأفعال المنصوص عليها أعلاه في المادة (118) المعدلة في نظام الأوراق التجارية موجبة للتوقيف هي:
‌أ ــ إذا سحب شيكاً لا يكون له مقابل وفاء قائم وقابل للسحب أو يكون له مقابل وفاء أقل من قيمة الشيك.
‌ب ــ إذا استرد بعد إعطاء الشيك مقابل الوفاء أو بعضه بحيث أصبح الباقي لا يفي بقيمة الشيك.
‌ج ــ إذا أمر المسحوب عليه بعدم دفع قيمة الشيك.
‌د ــ إذا تعمد تحرير الشيك أو التوقيع عليه بصورة تمنع صرفه.
‌هـ ــ إذا ظهّر أو سلم شيكاً وهو يعلم أنه ليس له مقابل يفي بقيمته أو أنه غير قابل للصرف.
‌و ــ إذا تلقى المستفيد أو الحامل شيكاً لا يوجد له مقابل وفاء كاف لدفع قيمته.
ما لم يقم الساحب بسداد قيمته، أو في حالة الصلح أو التنازل بين الأطراف.
ثانياً: يكون تلقي البلاغات وشكاوى الشيكات، ابتداء من قبل رجال الضبط الجنائي (الشرطة) بوصفها جريمة جنائية، وتتخذ في شأنها بعد التحقق من إرفاق ورقة الاعتراض المقدمة من البنك (المسحوب عليه) وسماع أقوال ساحب الشيك وفقاً للإجراءات المنصوص عليها في نظام الإجراءات الجزائية.
ثالثاً: قيام هيئة التحقيق والادعاء العام بالتحقيق في جرائم الشيكات ورفع الدعوى العامة (الحق العام) أمام مكاتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية، وذلك وفقاً لنظام هيئة التحقيق والادعاء العام ونظام الإجراءات الجزائية.رابعاً:
1ــ على مكاتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية إصدار قرارها في القضية التي تنظرها خلال ثلاثين يوماً من تاريخ إحالة القضية إليها.
2 ــ على مكاتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية العمل على تشديد العقوبات على مرتكبي جرائم الشيكات، وبخاصة إيقاع عقوبة السجن، والتشهير في الصحف اليومية الصادرة في منطقة مرتكب الجريمة.
3 ــ تتولى مكاتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية النظر في جواز إعفاء ساحب الشيك من عقوبة السجن أو إيقاف تنفيذها، وذلك في حالة سداد قيمة الشيك، أو في حالة الصلح أو التنازل بين الأطراف.
خامساً: استمرار العمل بالترتيبات المشار إليها أعلاه مؤقتاً إلى حين تنفيذ نقل اختصاص مكاتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية إلى القضاء العام إنفاذاً لما ورد في آلية العمل التنفيذية لنظامي القضاء وديوان المظالم الموافق عليها بالمرسوم الملكي رقم (م/78) وتاريخ 19/9/1428هـ.
وقد شدد المصدر أنه على كل من الساحب والمظهر والمستفيد احترام الشيك كأداة وفاء وأن مكاتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية سوف تطبق العقوبات على من يرتكب إحدى الجرائم بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد على خمسين ألف ريال والتشهير في الصحف اليومية.
ونبه إلى أنه إذا عاد الجاني إلى ارتكاب أي من هذه الجرائم خلال ثلاث سنوات من تاريخ الحكم عليه في أي منها تكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات والغرامة التي لا تزيد على مائة ألف ريال.
تظهر القرارات السابقة فعاليتها من ناحية الإجراء وذلك في تشديده بشكل ملحوظ في مقدار العقوبة الواقعة على المخالفين وملاحقتهم جنائيا لتسريع اجراءات القبض والفصل في القضية بالرغم من اعتراض رأي البعض في ادخال الجانب الجنائي باعتبار إن الجانب الجنائي في هذا الشأن شأن تجاري اقتصادي عدلي لا يجوز اعتباره أمنياً إلا إذا وجدت جرائم حسب تعريف الجريمة الشرعي والقانوني مستندين في ذلك الى تجربة الكويت بقولهم " وقد أحسنت الكويت صنعاً عندما عدلت نظام المحكمة التجارية واعتبرت أن الشيك بدون رصيد ليس جناية إلا إذا ثبت ذلك بالطرق الشرعية والقانونية وبذلك أخليت سجون الكويت من مئات المساجين بسبب ذلك"
إلا أنني أرى غير ذلك حيث أن النظام الجنائي قد تم تطبيقه في الكثير من الدول العربية المجاورة وقد أوجد الثقة الكاملة في التعامل بالشيكات وكان له دور فعال كبير في الحد من المشكلة .
هذا ما يتعلق بالقرار الوزاري أما ما يتعلق بالنظام فإنه وبالرغم من كفاية المواد الواردة في النظام إلا أنه لا يزال هناك ما هو بحاجة للتعديل في نظام الأوراق التجارية ليتحول الشيك حال تحريره إلى صك ملزم واجب التنفيذ حيث أني أرى أنه يجب اتخاذ اجراءات بشأن ضرورة إيقاع الحجز التحفظي على أملاك المحكوم ضده وأرصدته بالبنوك وفي تعديل آخر فإني أرى  ضرورة أن يرد في نظام الأوراق التجارية ما يفرق بين الشيك الصادر مقابل عمل مشروع أو عمل فاسد وغير مشروع .
وفي ما يلي بعض الاقتراحات والتعديلات  التي أشار اليها المستشارين والمحللين لرفع مستوى الحماية القانونية للشيك وبالتالي القضاء على هذه الظاهرة بشكل كامل والعودة به إلى الثقة المتعارف عليها بين المتعاملين كما كان سابقا ومعهودا عنه ، وهي كالتالي :
1) أهمية إلزام البنوك، عن طريق المحاكم التجارية لاحقا أو قضاة التنفيذ في المحاكم العامة، بالتنفيذ الجزئي على الشيكات وحجز أي مبلغ متوفر من حساب محرر الشيك حال عدم كفاية الرصيد، وصرفها للمستفيد مع إيجاد ضمانات لإثبات بقية المبالغ المحررة في الشيك.
2) عدم إصدار دفتر شيكات لأي شخص يقل رصيده عن حد معين يتفق عليه بناء على إحصاءات مدروسة.
3) سحب الحماية النظامية لأي شيك يزيد على خمسة آلاف ريال ما لم يكن شيكاً مصرفياً أو مصدقاً وإخلاء مسؤولية الدولة عن أي شيك غير مصرفي أو مصدق ينتج عنه نزاع  وقد يقول البعض إن هناك تكلفة للشيك المصدق أو المصرفي والجواب هو حيث إنه سيزيد الطلب على الشيكات المصرفية تلزم البنوك بتخفيض تكلفتها إلى الحد الأدنى.
4) معاقبة ملاك شركات التأجير والتقسيط أو أي جهة تجارية أو خاصة تقبل شيكات مؤجلة ويتضح ذلك عند تقديم أكثر من شيك في القضية نفسه خاصة أنه وحتى الآن أكتفى بالتعميم والتحذير فقط ولم نسمع عن عقوبة صارمة.
5)  اعتبار الشيك المرتجع قضية غير جنائية لأن اعتباره قضية جنائية لم ينتج عنه حل أو تحسن في المشكلة وإذا وجد سوء نية يحال الساحب لهيئة التحقيق والادعاء العام لتحديد ذلك.
6) مسؤولية البنوك أولاً وأخيراً عن القيام ببرنامج تثقيفي طويل الأجل ومتواصل لجيل كامل موجه للمواطن من خلال جميع وسائل الإعلام لتوعية المواطن والأسرة .
وأخيرا فإنني أخلص إلى أن الإجراءات المقترحة من أجل الحفاظ على أهمية تداول الورقة التجارية بمفهومها الأصلي كشيك سوف يعطي الثقة والأمان بين المتعاملين به كما أنه سيحفظ للشيك هيبته وقيمته في التداول بين الأوراق التجارية الأخرى ، وهو ما سيكون له انعكاس حتمي وإيجابي في الحفاظ على أموال وحقوق الأفراد داخل المجتمع والعمل على تنمية مصادر الدخل العام والحفاظ على الاقتصاد القومي وتفويت الفرص على مرتكبي تلك الجريمة من الاستفادة منها وردع كل من يقدم على محاولة استخدام الشيكات في غير ما خصص وحدد لها .

0 التعليقات:

إرسال تعليق

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites